لا ينبغي لآلام الأقراص المتهتكة الموجودة بين الفقرات أو التهاب المفاصل أن تسبب لك الذعر، فهناك مجموعة متنوعة من الوسائل لتخفيف تلك الآلام وتقليل نسبة العجز، غالبا دون اللجوء إلى العقاقير.
إن مشاكل الظهر هي الثمن الذي نسدده لقاء المشي المنتصب. والبلي والتمزق الذي يصيب العمود الفقري، والسحب المستمر للجاذبية الأرضية على فقراتنا، تأخذ نصيبها منا عبر الزمن. وقد عانى كل شاب بالغ تقريبا من شدة عنيفة أو ألم قاس في ظهره في وقت من الأوقات.
وعرق النسا sciatica هو مصطلح تسمع الناس يستخدمونه لآلام أسفل الظهر، والأرداف، والساقين. ويقول الدكتور ستيفن أطلس، الأستاذ المشارك في الطب لدى كلية الطب بجامعة هارفارد «حينما يخبرني المرضى بأنهم يعانون من آلام عرق النسا، فقد تكون لديهم إحدى حالتين – انتفاخ أو بروز القرص، أو تسريب القرص أو تضيق العمود الفقري spinal stenosis (تضيق يصيب القناة الشوكية)». تلك الأعراض بدورها تضع قدرا من الضغط على عصب النسا، الذي يخرج من أسفل الظهر (أسفل العمود الفقري)، وينفصل فقط فوق الأرداف، ثم يمتد إلى أسفل الساقين.
طريقة التحضير :
العمود الفقري العمود الفقري هو عمود عظمي يتكون من صف من 24 فقرة، تكون مفتوحة عند المركز، مما يفسح المجال لقناة يمر فيها الحبل الشوكي. وتُبطن الفراغات فيما بين الفقرات بالأقراص disks الليفية الحلقية المبطنة بالهلام، التي تمتص القوة التي نحملها على العمود الفقري. تمر الأعصاب من الحبل الشوكي في كل مساحة من الفقرات. تأتيك آلام أسفل الظهر التي تنتشر إلى الساق حينما يصطدم القرص أو العظم بالعصب حين خروجه من الحبل الشوكي، في غالب الأحيان فيما بين الفقرة الرابعة والخامسة القطنية. ولدى الناس الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و60 عاما، فإن المسؤول المعتاد عن ذلك هو القرص المتمزق، ولدى الناس الذي تزيد أعمارهم عن 60 عاما، من الأرجح أن يرجع السبب إلى تضيق العمود الفقري. وفي تلك الحالة الأخيرة، يضيف الانخفاض في حجم القناة الشوكية، الذي يرجع في الغالب إلى الإفراط في نمو العظم، ضغطا على الأعصاب. * القرص المتمزق يمكن أن يلحق الضرر بالقرص إثر الإصابة، أو ببساطة بسبب أنشطة الحياة اليومية. إذا ما انتفخ القرص أو تحرك من مكانه، فقد يضغط على أحد الأعصاب المجاورة. وإذا تمزق القرص، فقد يتسبب الهلام المتسرب في التهاب الأعصاب. يقول الدكتور أطلس «يصاب الجميع تقريبا بقرص متمزق في مرحلة ما من حياتهم، ولكن الجميع لا يعانون من تلك الأعراض». ورغم أن مصطلح عرق الناس غالبا ما يُستخدم للإشارة إلى الألم، فإن طبيبك قد يصفه بمسمى «ألم الساق الجذري» radicular leg pain – وهو الألم المنتشر إثر العصب المضغوط. وغالبا ما يأتي ذلك الألم فجأة عقب تمزق القرص. ويسبب الجلوس في المعتاد اشتداد الألم، بينما يخفف الوقوف أو المشي من حدته. يبدأ العلاج عادة بتناول العقاقير المخففة للآلام والتمرينات. ومع ذلك، أشارت تجربة إكلينيكية منضبطة أجريت مؤخرا إلى أن عقار اسيتامينوفين (تايلينول) أو عقار ايبوبروفين (ادفيل، موترين) لم تكن أفضل تأثيرا من العقاقير الوهمية في السيطرة على الألم، لذلك فلست بحاجة إلى تناول قرص الدواء عند أول وخزة ألم. وتساعد التمرينات في ذلك لأن الوقوف والتحرك يخففان من الضغط الواقع على القرص. ورغم صعوبة تصديق ذلك، فسوف يختفي الألم من دون أي اهتمام طبي بمجرد استيعاب جسدك لمادة القرص – وذلك في غالب الأمر خلال بضعة أيام أو بضعة أسابيع. وعند انتهاء تلك النوبة من الآلام، تنقضي الحاجة للمزيد من العلاج. ويقول الدكتور أطلس «أعلم أن الناس يسعون وراء الشفاء السريع، وغالبا ما يتعين علي إقناعهم أنهم ليسوا بحاجة إلى إجراء أي جراحة». غير أن هناك استثناءات نادرة الحدوث، حسبما ينصح دكتور أطلس «إذا كانت ساقك ضعيفة أو خدرة، أو إذا ما تأثرت وظائف الأمعاء أو المثانة لديك، فينبغي وقتها الحصول على الرعاية الطبية فورا لتجنب التلف الدائم للأعصاب». * تضيق العمود الفقري تصبح هذه الحالة أكثر شيوعا مع تقدم العمر. وبمرور الوقت، فإن الآثار التراكمية للجاذبية تؤدي إلى اقتراب الفقرات من بعضها البعض، وتميل الأقراص إلى الجفاف، ورقة الحجم. ومع قلة التوسيد الهلامي فيما بين الأقراص، تصطك الفقرات ببعضها البعض، مما يسبب التهاب المفاصل. تؤدي ترسيبات التهاب المفاصل إلى ضيق في القنوات التي تمر من خلالها الأعصاب، مما يزيد الضغط عليها ويسبب المزيد من الآلام. يُعرف الألم الناجم عن تضيق العمود الفقري باسم العرج عصبي المنشأ neurogenic claudication (وحرفيا هي: «الصعوبة في المشي الناشئة في الأعصاب»). وهي حالة أكثر دهاء من مجرد الألم الناجم عن تلف القرص. فقد تنال منك الأعراض في الظهر، أو الأرداف، أو أعلى الفخذين، ولكن قد لا ينتشر الألم إلى أسفل الساقين. ومن المرجح لذلك الألم أيضا أن يؤثر على كلا جانبي الجسد. ومع تضيق العمود الفقري، فقد تؤلمك منطقة أعلى الفخذين أو الساقين حين الوقوف. يتيح لك الجلوس امتصاص الضغط عن أسفل العمود الفقري لتخفيف الألم. ويمكن للانحناء قليلا أن يساعد كذلك في فتح مسافات فيما بين الفقرات لتقليل الضغط الناشئ على الأعصاب. وإذا تمكنت من التغلب على الألم حتى الوصول إلى محل البقالة، فقد تكون سعيدا إذا وجدت أن دفع عربة التسوق قد يوفر لك نوعا من تخفيف الألم. * علاج تضيق العمود الفقري خلافا لفتق القرص، فإن تضيق العمود الفقري هو من الحالات المزمنة. وهي قابلة للعلاج، ولكن الألم الناجم عنها يمكن التعامل معه بصورة فعالة من خلال مزيج مما يلي: * المسكنات الفموية. العقاقير غير الاسترويدية المضادة للالتهابات (NSAIDs) مثل ايبوبروفين ونابروكسين (اليف، نابروسين) أو العقاقير الاسترويدية من غير عائلة (NSAIDs) مثل الاسيتامينوفين، هي من العقاقير الآمنة بصورة عامة للاستخدام في الحالات العرضية، غير أنها تحمل قدرا من الأعراض الجانبية. فمسكنات الـ(NSAIDs) غير الاسترويدية ترتبط بخطر متزايد للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، ويرفع عقار الاسيتامينوفين من خطر الإصابة بتليف الكبد. استشر طبيبك حيال العقار والجرعة المناسبة لك. * حقن العمود الفقري. من العلاجات الشائعة لمنطقة العمود الفقري حيث ينشأ الألم، هي حقن ليدوكايين لتخفيف الآلام وحقن الكورتيزون لتقليل الالتهاب. ومع ذلك، أثارت تجربة إكلينيكية منضبطة أجريت مؤخرا الشكوك على استخدام الاسترويدات: بعد 6 أسابيع، شعر المرضى الذين خضعوا للعلاج بحقن الليدوكايين فقط بمزيد من الارتياح وتحسن في الوظائف – مع القليل من الأعراض الجانبية – من الذين خضعوا للعلاج بكلا العقارين. يقول الدكتور أطلس «غالبا ما أحتفظ بعلاج الحقن للمرضى الذين يحتاجون لعلاج فوري للآلام حتى يمكنهم الانتقال إلى طبيب العلاج الطبيعي». * العلاج الطبيعي. تعتبر التمرينات هي المسار طويل الأجل للتعامل مع تضيق العمود الفقري. يمكن لطبيب العلاج الطبيعي أن يلقنك التمرينات التي تقوي عضلات الظهر من أجل تدعيم أفضل لعمودك الفقري وتعويض الآلام التي شعرت بها. قد لا يفيد التدليك والتداول باليدين كثيرا في علاج ذلك النوع من المشاكل نظرا لأنها تنشأ في العظام، وليست في العضلات أو الأوتار. قد يكون الوخز بالإبر مفيدا، ولكن لا بد من تكراره. * أجهزة المشي. يمكن لتلك الأجهزة أن تساعدك في التمرينات من دون ألم. والانحناء اللطيف للإمساك بمقبض جهاز المشي قد يفتح العمود الفقري لديك ويخفف من الألم. يقول الدكتور أطلس «كثيرا ما أقترح على المرضى الذين يعانون من تضيق العمود الفقري أن يمتلكوا أجهزة المشي ذات المقاعد. يمكنهم الخروج للمشي، وحينما تبدأ ظهورهم أو سيقانهم في التعب، يمكنهم الجلوس والحصول على الراحة الفورية». * علاج جراحي * استئصال الصفيحة الفقرية. وهو أحد الخيارات المتاحة حينما لا يأتي العلاج التحفظي بنتيجة فعالة، حيث يتضمن استئصال الصفيحة الفقرية إزالة النمو العظمي الضاغط على العصب. وعادة ما يتطلب الإجراء الجراحي بقاء المريض في المستشفى من يوم إلى 3 أيام، وفي الغالب يمكن للمريض معاودة الذهاب لعمله خلال أسبوعين على الأكثر. ويمكن أيضا تنفيذ الإجراء الجراحي من خلال المنظار المسترشد بكاميرا الفيديو المصغرة، ولكن يبقى الرأي الطبي معلقا من حيث كون الإجراء المذكور يحمل ذات القدر من الفعالية مثل استئصال الصفيحة الفقرية المفتوح. يقول الدكتور أطلس «غالبا ما أعاني من أوقات عصيبة في إقناع مرضاي بإجراء استئصال الصفيحة الفقرية، وقد يستمرون في المعاناة والألم لعام كامل أو نحوه قبل الموافقة، ولكن آلامهم تخف إثره بالفعل». * دمج الفقرات (الالتصاق الفقاري). يتضمن إجراء دمج الفقرات استئصال الصفيحة الفقرية لإزالة الضغط الناشئ على العصب. وبالإضافة إلى ذلك، يتم إزالة الأقراص فيما بين الفقرات المتضررة وتملأ الفراغات بمادة متكونة من الغبار العظمي أو مادة أخرى شبيهة بالعظام. وفي إجراء دمج الفقرات الموجه، تُجمع الفقرات سويا بصفائح أو قضبان، أو مسامير معدنية. وهناك عدد من السلبيات في جراحة دمج الفقرات. منها امتداد فترة التعافي إلى 6 أسابيع، وخلالها يجب تثبيت أو تجميد حركة العمود الفقري، مما يؤدي إلى فقدان العضلات ويحتم الخضوع للعلاج الطبيعي. أما المنطقة المدمجة من العمود الفقري فلا تتحرك مجددا، فلا يمكنك الانحناء لأسفل كما كنت تعتاد. كما أن الجزء الصلد من العمود الفقري يمارس ضغطا على الفقرات أعلاه وأدناه، مما يهيئ المجال للمزيد من المشاكل الصحية. يقول الدكتور أطلس «معظم المرضى الذين يعانون من تضيق العمود الفقري تخف آلامهم إثر استئصال الصفيحة الفقرية. قد يكون دمج الفقرات مفيدا، ولكن لنسبة ضئيلة للغاية من الناس. وإنني أوصي به فقط للناس الذين يعانون من الانزلاق الفقري التنكسي degenerative spondylolisthesis – وهو التهاب حاد في المفاصل حين خروج الفقرات من مكانها».