لا يقتصر فطام الطفل من الرضاعة بعد بلوغه السنتين من عمره فقط بل يتجاوزه إلى فطامه النفسي عن والدته، وهي المرحلة الهامة بالنسبة له كونها الفترة المناسبة التي يكتسب فيها الطفل معالم شخصيته وهويته الخاصة التي تنمو وتتطور تدريجيا وتتفاعل سلبا أو إيجابا مع المحيط الخارجي الاجتماعي والثقافي لينتقل بعدها إلى المدرسة، لتنمية المهارات الأساسية للطفل وتعزيز الاستقلالية لديه والاعتماد على الذات، حيث يكتسب الطفل العديد من المهارات الجسدية والعقلية والعاطفية، وينمو معه الإحساس بالثقة ويشرع حينها في إدراك شخصيته المستقلة عن الآخرين . إن الفطام النفسي أو الاستقلال النفسي عن الأسرة والعمل على نقل الجوانب الوجدانية من الوسط الأسري إلى عالم الأقران والمجتمع الخارجي، وذلك حين بلوغ الطفل السنة الأولى والثانية من عمره، وتتدرج حيث تعمل الأم إلى جانب الرضاعة الطبيعية إلى إعطاء طفلها وجبات بطريقة صحيحة وتدريجية إلى أن يستغني عن الرضاع الطبيعي، ولا تشكل له مشكلة نفسية فيما بعد لكن المشكلة عند بعض الأمهات هو قيامهن بفطام أبنائهن بشكل مفاجئ، وهذا يتسبب في أزمة نفسية حادة بالنسبة للطفل، ويمكنني وصفها بالإساءة البالغة الأثر النفسي على نفسية الطفل، خاصة إذا رافقتها معاملة من قبل الأم، حيث تلجأ بعض الأمهات إلى وضع بعض المواد ذات المذاق المر في ثدي الأم ، ليكره الرضاعة الطبيعية وهذا أكبر خطأ، حيث يتسبب في صدمة نفسية عنيفة للطفل.ومن الأخطاء الشائعة أيضا لدى بعض الأمهات والآباء، نظرتهم للطفل على أنه صغير، وهذه نظرة خاطئة في المجتمع من غير أن نعي أثارها النفسية السلبية على نموه واستقلالية شخصيته عن الأسرة ؛ فيظل الطفل مرتبط بعالمه الطفولي، وتظل تلك الصورة مرتسمة في ذهنه فلا يريد أن يعترف بأنه، قد صار راشدا فترافقه تلك الصورة ولا يريد أن يلغيها من مخيلته، لذلك من واجب الآباء والأمهات معا، الحذر من هذا الطفل، حينما يكون رضيعا ثم هاهو شاب قوي يافع، فلا ينبغي أن نعامله على أنه طفل، وهذه مشكلة منتشرة بقوة لدى الأسر المغربية ؛ لأنهم لا يساعدونه على النمو الطبيعي وتحمل المسئولية والاستقلالية. ولا يحصل الفطام النفسي الذي هو الاستقلال الوجداني عن الآخرين، ويبقى أسيرا لإرادة الأبوين، فلا يستطيع أن يوجه عواطفه، أو يأخذ قراراته، أو يستقل عن الآخرين، وخاصة مع الأم، حيث تحدث عملية انصهار وجداني وعاطفي يؤثر على الطفل بشكل كبير.وقد يتطلب إحساس الطفل بشخصيته المستقلة سنوات إلى أن يكتمل نموه النفسي، ويبدأ في الأشهر الأولى بإدراك حقيقة انفصاله عن الأم، والإحساس بالخوف من أن تتخلى عنه والمعروف باسم قلق الانفصال. وقد تستمر هذه المخاوف حتى يبلغ الطفل سنته الثانية، لكن حين يصبح الطفل اجتماعيا أكثر وتزداد ثقته بعودة الأم إليه بعد أن تتركه في الحضانة، يصبح قادرا على تخطي هذه المرحلة وتكوين شخصيته المستقلة، ولا يمكن أن نغفل من أن الاستقلالية المبكرة خلال السنوات الأولى من الطفولة من شأنها أن تؤدي إلى العديد من المشاكل.